الجنينة تصرخ بعد أن دفعت أرواح الالاف من مواطنيها ثمناً غالياً نتاج مغامرة صبيانية من الكيزان وجيشهم، فإذا إستبعدنا النظر لما حدث صبيحة 15 أبريل 2023م من هجوم على معسكرات الدعم السريع حتى نأتي لإثبات ذلك بالأدلة والقرائن في مقبل الأيام، فإن ما حدث في الجنينة هو أن الفرقة 15 مشاة التي تقع معسكراتها خارج المدينة في الوحدة الإدارية أردمتا شمال شرق الجنينة قد قامت بالهجوم على معسكر الدعم السريع في غرب الجنينة.
إن أبلغ تحليل ووصف لسلوك الجيش السوداني بإلتزامه بحماية مقاره فقط، تاركاً المواطنين الذين من واجبه حمايتهم للمليشيات التي صنعها والمجرمين الذين أطلق سراحهم هو وصف د. سبنا إمام، في الحوار الذي أجرته معها قناة سودان بكرة خلال شهر مايو 2023م في وقت كانت الحرب قد دخلت أيامها الأربعين، وقد وصفت ذلك السلوك بأن الجيش يحافظ على تواجده في ثكناته ولم يخرج لحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم لأن أرواح المواطنين ليست من أولوياته بل المهم لديه هو الحفاظ على قواته وقوته التي من خلالهما سيضمن ويؤمن نفوذه السياسي والإقتصادي. وهذا ما تؤكده الوقائع والشواهد فجيشنا الهمام لم يصدر حتى بيان عن ما يحدث في دارفور من فظائع ويركز كل إهتمامه الإعلامي على الخرطوم محتفلاً بالإستيلاء على عربة بوكس مرة ومستعرضاً لما أسماه "جانب من استعراض لعناصر من شرطة تأمين الموانئ البحرية بمدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر" مرة أخرى، ويخرج لنا من وقت لآخر صعاليقه من القادة الخونة والأقزام من أمثال البرهان وكباشي والعطا مطلقين لأحاديث يملؤها الكذب والتراهات. إن من يتقاعس عن دوره المهني والوطني في حماية وطنه ومواطنيه هو خائن بلا أدنى شك. ومن الغريب بل والمفزع أن يصدر الدعم السريع عدة بيانات يدين فيها ما يحدث في دارفور وفي الجنينة خصوصا في ظل صمت تام للجيش داعياً لتشكيل لجنة عاجلة بين جميع الأطراف القبلية المتقاتلة والمجتمعات الأخرى للتواصل والتنسيق مع قوات الدعم السريع والقوات المسلحة من أجل تهدئة الأوضاع والمساعدة في توصيل المساعدات الانسانية للمدنيين، كما دعى لتشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء الأزمة وكشف المتورطين فيها، وقال إن وفده المفاوض بمدينة جده تقدم بطلب منذ أكثر من عشرة ايام للحصول على موافقة من القوات المسلحة بفتح مطار الجنينة من أجل تسيير جسر جوي من المساعدات الانسانية للمواطنين واشارت إلى مساعي مستمرة لتوصيل المساعدات براً إلى الجنينة وكافة مدن دارفور بالتنسيق مع المجتمعات المحلية. ودعت مكونات غرب دارفور للتأسي بالمبادرات في الضعين، ونيالا، والفاشر، والأبيض. (1)
فأي جيش هذا الذي يعتقد البعض أنه جيش السودان وليس جيش الكيزان؟!
وواضح تماما أن والي غرب دارفور الذي قتل قبل ساعات بطريقة بشعة بواسطة قوات الدعم السريع بعد تداول فيديو إعتقاله، قد فعل ما حاولت فعله مليشيا الجيش السوداني وذلك في دعواتها لتسليح المواطنين في العاصمة الخرطوم تحت دعاوي حماية النفس والعرض والممتلكات وقد أدت هذه الجريمة التي إرتكبها لتحويل الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لمواجهات مفتوحة بين الجميع داخل مدينة الجنينة، وعلى الرغم من أننا لا ندري بشكل قاطع ما الذي حدث ولكن من الواضح أن الصراع فيها قد أخذ منحى قبلي بعد أن أضحى السلاح في يد جميع المواطنين خاصة وأن مدينة الجنينة، قد شهدت قبل أقل من أربعة أشهر، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أحداثاً قبلية دامية مماثلة(2)، بين مكوني العرب و"المساليت" من ساكنيها، أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 83 قتيلاً و160 جريحاً وقد شاهد الجميع فيديو قام بتسجيله أحد المواطنين بتاريخ 24 مايو موثقاً خبر فتح مخازن السلاح للمواطنين للتسلح وقد ظهر في الفيديو عدد كبير أغلبهم من الأطفال والنساء يتحركون ذهاباً ويأتون مسلحين بالبنادق (3) وهو ما أكده والي غرب دارفور بنفسه في تصريحاته لـصحيفة ـ"اندبندنت عربية" بتاريخ 9 يونيو 2023م برواية أخرى تفيد بأن المواطنين قد قاموا بكسر مخازن السلاح الخاصة بالشرطة وقاموا بالتسلح، فبالله عليكم هل هذا كلام يمكن تصديقه؟! وقد حملت تصريحاته تلك تناقضات كبيرة، فهو في بادئ الأمر أفاد بالآتي (نفى أبكر في تصريح أن تكون جهة معينة قامت بتسليح المواطنين، وإنما اشتروا السلاح بحر مالهم للدفاع عن النفس والعرض والأرض، ويواصل قائلا: كما أنه ومع بداية الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع تجمعت مجموعات قبلية كبيرة جداً من خارج الحدود وهجمت على المدينة من الناحية الجنوبية لأحياء (الجبل والتضامن والثورة والزهور) وحرقت كل مراكز الإيواء التي يسكن فيها النازحون بعد حرق قراهم عام 2003).
وفي نفس التصريح عاد ليقول:
(وأوضح أنه أمام هذا الهجوم الغادر والقتل الانتقائي تحرك بعض المتضررين وكسروا مخازن سلاح الشرطة واشتبكوا مع الميليشيات التي استباحت جنوب المدينة بمؤسساتها وبيوتها وأهلها وبمعاونة بعض القيادات الأهلية والدعم السريع، إذ استهدفوا قتل الشباب في منازلهم..). ويتضح تماما حجم التناقض في حديث السيد الوالي. فأين كانت الشرطة عندما إقتحم المواطنين مخازنها حسب إدعاء الوالي؟!
هذا غير أنه في نفس التصريحات أفاد بالآتي:
(كما كشف أبكر عن أن الميليشيات التي ما زالت تحاصر المدينة تابعة لقوات الدعم السريع، التي تساند مجموعة كبيرة من القبائل العربية بدافع الانتقام وتأجيج الصراع القبلي وبمعاونة إدارات أهلية من ذات المجموعات الساكنة الناحية الجنوبية لأحياء جنوب الجنينة وحرقت كل مراكز الإيواء التي يسكن فيها النازحون الذين هجروا قسراً من قراهم الأصلية في عام 2003)، ليأتي قبل ساعات من مقتله في الساعات الأولى من صباح 15 يونيو 2023م ليصرح في مقابلة تلفونية مع قناة الحدث بما ينافي تماما تصريحه السابق والذي أكد من خلاله أن القتال قد أخذ شكلاً قبلياً، وقد قال التالي في رده على سؤال المذيعة عن أنه هناك حديث عن أن طبيعة الصراع قبلي بين المساليت والقبائل العربية وهو ما أكده في تصريحه الأول للصحيفة، وقد قال في رده ذلك:
(هذا كلام غير صحيح لأن بداية المشكلة بدأت بين القوات المسلحة والدعم السريع في الموقع بتاع القوات المشتركة ومن هناك إنتقلت المعارك في مواقع يسكن فيهو قبائل المساليت، لكن اليوم الجنينة من الصباح كلو مستباحة ليس المساليت فقط إنما معظم القبائل الموجودة في الولاية تم إستهدافهم تماما من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتعاونة معهم، اليوم الجنينة كلها إدمرت بالأحياء المختلفة كلها إدمرت، لذلك هذه المسألة ما مسألة مشكلة فعلية بين العرب والمساليت هذا كلا غير صحيح).
وقد إضطر السيد الوالي بعد أن ضاقت به السبل بفضح الجيش السوداني ومهاجمة الحكومة المركزية وحاكم الأقليم في رده على المذيعة بعد سؤالها له عن أن حكومة أقليم دارفور قالت أنها لديها إجراءات أمنية لضبط الوضع وفي قوات مشتركة من الإقليم خرجت وأنتشرت فقط في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور صحيح هذا الكلام ولماذا تنتشر فقط في الفاشر، لماذا لاتذهب إلى الجنينة وتحاول أن تحمي المدنيين؟ وقد رد قائلاً :
(والله نأسف جداً عندما نتكلم عن إقليم دارفور كأن الجنينة خارج إطار إقليم دارفور، لأنه إحنا تحدثنا كتير جداً مع الحكومة المركزية مجلس السيادة بما في ذلك حاكم الإقليم احنا تكلمنا معه من قبل شهر ولغايت هسي ما في أي إستجابة من حكومة الإقليم ولا حكومة المركز).
الجيش السوداني له تواجد في الجنينة، له معسكرات في منطقة اردمتا، لغايت هسي الجيش لم ينخرط في القتال، لم يحاول إيقاف قوات الدعم السريع ونتهاكاتها المدنية في الجنينة، أين تقع أردمتا؟
(نحن نستغرب جداً من الموقع الأنا بتحدث فيو حوالي 7 كيلو يوجد قيادة الفرقة 15 مشاة، بكل أسف لا يستطيع يخرج من مكانو على الأقل يفرض هيبة الدولة في هذه الولاية وتحدثنا كثيراً في هذا الصدد والمسألة دي إستمرت 57 يوم ما رأينا خروج قوات الشعب المسلحة من ثكناتهم، على الأقل تدافع عن المواطنين). وهذا يعيدنا لحديث الدكتورة/ سبنا إمام في تحليلها لماذا الجيش لم ينتشر لحماية الشعب، ويجعلنا نتسائل ما دام أن الحرب بدأت بين الجيش والدعم السريع، أين ذهبت قوات الجيش تاركة المواطنين للإحتراب القلي وهجمات قوات الجنجويد في إعادة لأحداث الإبادة الجماعية التي إستمرت في دارفور منذ العام 2003م بحرق القرى والقتل على أساس عرقي وغيرها من الإنتهاكات.
ويعترف أخيرا بشكل غير مباشر مبررا جريمته الكبرى التي أدت لهذا الوضع المأساوي بموت وإصابة الالاف ونزوح أعداد لا يعرف أعدادها، عندما سألته المذيع عن هل بعض المواطنين مسلح أم غير مسلح؟
ليجيب: (المواطنين مجبورين يتسلحوا على الأقل يدافع عن نفسو، يدافع عن أسرته ولكن مقارنة بتسليح الدعم السريع والمليشيات كلها مختلف تماماً عن التسليح بتاع المواطنين)(4).
أتضح تماما أن هذه الحرب لا يمكن لأحد الأطراف حسمها لصالحه وسينتهي الأمر بالتفاوض لأن موازين القوة بين الطرفين متقاربة وهذا ما دفعنا للتسائل منذ الأيام الأولى لإندلاع الحرب بأنه هل يمكن القضاء على الدعم السريع دون تكلفة بشرية عالية؟
وهل لو تم القضاء على الدعم السريع في الخرطوم، لن ينتقل الإحتراب لمنطقة نفوذ المليشيا في دارفور المنهكة؟، وهو الشئ الذي حدث حتى قبل حسم المعركة في الخرطوم.
ذلك غير مخاطر أن يتحول السودان لمنطقة صراع عالمي مسلح كما حدث في ليبيا وسوريا خاصة وأن فاغنر موجودة في السودان وليبيا وحميدتي وحفتر مرتبطين معها بمصالح وعلاقات وطيدة ذلك غير أنها إنسحبت من قواتها من أوكرانيا ومن الممكن توظيفهم في السودان الذي سيكون بالنسبة لهم كنزهة ترفيهية وبالتأكيد لن تصمت أمريكا.
الأمر لا يحتمل نظرة عاطفية مملوءة بأمل التخلص من المليشيا المجرمة.. لا بد من نظرة واقعية وعقلانية مدعمة بالتحليل السليم لكل السيناريوهات في كل حالة ولإمكانيات كل طرف. وغير ذلك ألم تشارك القوات المسلحة في إنشاء هذه المليشيا للقيام بإسنادها وإرتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين، فليس من المنطق والعقل نسيان هذه الحقائق ليصبح الجيش فجأة من جهة ظلت تمارس الجرائم ضد شعبها إلى جهة وطنية.
وقبل أن أختم أطرح سؤالاً لمناصري الجيش هل ما يقوم به الجيش الآن من جرائم وإنتهاكات وتخلي عن دوره الرئيسي في حماية المواطنين هو عمل يتسق مع أدنى حد من الأخلاق والمهنية؟، وكيف يمكنني تأييد جيش لا يحميني ويعسكر في ثكناته التي طالبته القوى الثورة مراراً وتكراراً للرجوع اليها والقيام بدوره المهني والإبتعاد عن تغوله في السياسة والذي أوصله لهذه المرحلة المخزية من الضعف وجلعت منه مطيه للإسلامين المأفونين، واهم من ظن أن الكيزان لهم أدنى درجة من الوطنية أو الأخلاق وأنهم يمكن أن يتوانوا عن إحراق البلد بأكملها بمنطق "ولترق كل الدماء" وما نراه اليوم من الجيش هو نفس السلوك الذي ظل يمارسه طوال عهد الإنقاذ، هذا غير إعتقاله لثلاثة أعضاء من لجان مقاومة بحري وثلاثة من لجان مقاومة مروي دون ذكر أي سبب.
لكل ذلك لا بد لقوى الثورة من تفهم الموقف والتحرك لخلق تحالف وطني عريض يستطيع أن يكون فاعل في المشهد حتى يجبر المجتمع الدولي للتدخل وإيقاف عبث الطرفين وإلتقاط المبادرة لإقصاء الجيش من الحياة السياسية وإعادة هيكلته وبناءه على أسس وطنية ووفق الدور المنوط بأي جيش في دولة ديمقراطية، إضافة لإنهاء عملية إختطاف صوتها عبر التنظيمات السياسية المجرمة والتي تصطف متحالفة مع جانبي الصراع.
قريباً خلال الأيام المقبلة سأكتب مقالاً حول الشواهد والأدلة التي تثبت أن الكيزان أعداء الله هم من قاموا بإشعال هذه الحرب.
محمد عمر محمدالخير
الخميس 15 يونيو 2023م
قريباً خلال الأيام المقبلة سأكتب مقالاً حول الشواهد والأدلة التي تثبت أن الكيزان أعداء الله هم من قاموا بإشعال هذه الحرب.
مراجع:
(1) الجنينة.. كارثة إنسانية
وحصار محكم – تقرير لـ "راديو دبنقا" بتاريخ 14 يونيو 2023م
(2) معارك الخرطوم تجعل مدينة الجنينة أشبه
"بـ" قبر كبير – تقرير لـ "اندبندنت عربية" بتاريخ 9 يونيو 2023م
(3) فيديو تسليح المواطنين نقلا
عن راديو دبنقا
(4) فيديو مقابلة قناة الحدث مع
والي غرب دارفور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق